فاعلون وخبراء وطنيون ودوليون ينكبون على سبل النهوض بالحقوق الثقافية وحمايتها
اختتمت يوم الجمعة 28 يناير 2011 فعاليات الندوة الدولية التي تم تنظيمها على مدى يومين من طرف المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، بشراكة مع المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ومكتب منظمة اليونيسكو بالمنطقة المغاربية ومرصد التنوع والحقوق الثقافية بجامعة فريبورغ بسويسرا.
وجاءت هذه الندوة، التي شهدت مشاركة مختلف الفاعلين المعنيين كوزارة الثقافة، وزارة العدل، وزارة التربية الوطنية، وزارة الشؤون الخارجية والتعاون، معاهد البحث، هيئات المجتمع المدني....، للإسهام في توضيح طبيعة الحقوق الثقافية والنطاق الذي تشمله، وذلك على ضوء الدراسات والملاحظات والأشغال التي تم القيام بها على مستوى منظمة الأمم المتحدة وكذا من طرف مختلف المنظمات ومجموعات البحث.
وتعكس مبادرة تنظيم هذا الملتقى قناعة مشتركة لدى الأطراف المنظمة بخصوص المفارقة التي تطبع وضع الحقوق الثقافية، إذ لم تنل هذه الحقوق بعد حظها من الاهتمام في نطاق المنظومة الدولية لحقوق الإنسان والحال أنها تتناول مرتكزات حياة الإنسان ألا وهي القيم، الهوية والروابط الاجتماعية.
وقبل انطلاق ورشات هذه الندوة الدولية التي تم تنظيمها يومي 27 و28 يناير 2011، تحت شعار "الحقوق الثقافية بين الفهم والممارسة"، تطرق السيد فليب كيو، مدير مكتب اليونسكو بالرباط ، إلى فلسفة إعلان اليونسكو العالمي بشأن التنوع الثقافي الذي يضع التنوع الثقافي في مصاف "التراث المشترك للإنسانية" الذي "هو ضروري للجنس البشري ضرورة التنوع البيولوجي بالنسبة للكائنات الحية"، معتبرا أن الحوار بين الثقافات هو أفضل ضمان للسلام.
وقد أكد السيد كيو أن إعلان اليونيسكو العالمي يعبر عن رفض قاطع لأطروحة حتمية النزاع بين الثقافات والحضارات، مشيرا إلى ضرورة حماية الحق في المشاركة الثقافية والحفاظ على القيم الأساسية المشتركة التي تجمع الجنس البشري أجمع مثل العدالة والحرية والسلام. وقد أكد كذلك على أن التنوع الثقافي عامل من عوامل التنمية يعتبر الدفاع عنه واجب أخلاقي لا ينفصل عن احترام كرامة الإنسان، مذكرا أن الحقوق الثقافية جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان.
وأما السيدة فريدة شهيد، خبيرة مستقلة لدى الأمم المتحدة في مجال الحقوق الثقافية، فقد أكدت أن هذا اللقاء الدولي، الذي تم تنظيمه، كما ذكرت، في منطقة غنية جدا بثقافتها وتاريخها وتنوعها يمثل فرصة لفهم قضايا هذا الجزء من العالم بشكل أفضل والمبادرات التي تم اتخاذها في هذا الإطار، مذكرة أن الحقوق الثقافية هي مجال اهتمام جديد بالنسبة للمنظومة الدولية لحقوق الإنسان وآلياتها. ولخصت السيدة شهيد مهمتها كخبيرة مستقلة لدى الأمم المتحدة في مجال الحقوق الثقافية في أربع نقاط هي: البحث على الممارسات الفضلى ومعيقات النهوض بالحقوق الثقافية وحمايتها في العالم، دراسة العلاقة بين الحقوق الثقافية والتنوع الثقافي، تبني مقاربة النوع وحاجيات الأشخاص ذوي الإعاقة في مجال الحقوق الثقافية وأخيرا تحديد الإجراءات التي يمكن دعمها من خلال التعاون الوطني والإقليمي والدولي في هذا المجال.
ومن جانبه، شدد السيد أحمد بوكوس، عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، في كلمة له، على أهمية مبادرة تنظيم هذا اللقاء الدولي، الذي اعتبره فضاء لتبادل الأفكار ووجهات النظر حول مسألة الحقوق الثقافية واللغوية، مؤكدا أن الحقوق الثقافية، رغم أهميتها، لم تنل حقها من الاهتمام داخل المنظومة الدولية لحقوق الإنسان. وقد أشار السيد بوكوس إلى أن المغرب يعتبر، حسب العديد من الملاحظين، رائدا في المنطقة في مجال حقوق الإنسان، من قبيل ذلك التجربة الناجحة لهيئة الإنصاف والمصالحة ومدونة الأسرة وتعزيز حقوق المرأة وتدبير الحقوق الثقافية الأمازيغية، مذكرا أن ما حققه المغرب لم ينزل من السماء بل جاء نتيجة تضحيات جسام. وقد أشاد السيد بوكوس كذلك بالتطور الإيجابي الذي شهده المغرب في مجال تدريس اللغة الأمازيغية والنهوض بالثقافة الأمازيغية، موضحا أنه من سبل تعزيز هذا التطور، إدراج الحقوق الثقافية في السياسات العمومية والنصوص التشريعية، وعلى رأسها الدستور.
وبدوره، أكد السيد المحجوب الهيبة، الأمين العام للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان على ضرورة تعزيز الحقوق والمكونات الثقافية للهوية المغربية التعددية ومكانة التعدد الثقافي باعتباره عنصرا أساسيا ليس فقط بالنسبة للهوية الوطنية المغربية ولكن أيضا بالنسبة لتعزيز حماية حقوق الإنسان في كونيتها وشموليتها، مضيفا أنه من الضروري تعزيز الحماية القانونية لهذا التعدد بمنحه كل الوسائل القانونية والمعيارية والوسائل الكفيلة بتطويره في مختلف الميادين التربوية والثقافية والإعلامية والإدارية وخاصة القضائية، بالإضافة إلى ترسيخ ثقافة التعدد الثقافي في البرامج التربوية وتأهيل الآليات والوسائل الكفيلة بذلك.
وذكر الأمين العام أن الموروث الثقافي والحضاري يواجه اليوم تحديات كبرى خاصة مع تطور الوسائل التكنولوحية الحديثة التي تعتبر وسائل أساسية للتواصل بين الشعوب وتساهم في التنشأة الاجتماعية والثقافية والسياسية أيضا، مشيرا إلى أن الهدف من وراء تنظيم هذه الندوة الدولية يتجلى في تكريس ثقافة الإيمان بمبدأ التنوع الثقافي واللغوي الذي يطرح تحديا كبيرا أمام العولمة الزاحفة التي تؤدي إلى تنميط موحد للثقافات والسلوكيات والتصرفات الثقافية.
وأشار السيد الهيبة أن الأمر يستوجب مناهضة التمييز في الحقل الثقافي وتوظيف كل المعطيات المعيارية في الصكوك الدولية لحقوق الإنسان واستثمار القيم والتقاليد الفضلى المستمدة من كل مكونات التعدد الثقافي في العالم، مؤكدا أنه يستوجب على المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، باعتباره مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان، العمل على تطوير الجانب التشريعي والمؤسساتي وملائمة التشريعات الوطنية مع العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ومجموعة من الصكوك الأخرى من قبيل إعلانات وتصريحات اليونيسكو بخصوص التعدد الثقافي... وقد أكد السيد الهيبة أنه يجب كذلك تعزيز مواصلة تنفيذ الملاحظات الختامية والتوصيات الصادرة عن اللجان المتخصصة والمتعلقة بالعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والاستئناس أساسا بالملاحظات العامة الصادرة عن لجنة الحقوق الثقافية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعتبر اجتهادات تفسيرية تراعي التطورات المجتمعية في العالم والتطورات المجتمعية في الدول المعنية بالعهد الدولي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وللإشارة، فقد تضمن برنامج الندوة، التي شهدت مشاركة مجموعة من الفاعلين الوطنيين والخبراء الدوليين، أربع جلسات همت: "طبيعة ونطاق الحقوق الثقافية: تعريفات ورهانات"، "الحقوق الثقافية على المستوى الإقليمي: نقاش حول المضمون والمنهجية"، "إعمال الحقوق الثقافية، التنمية ودور المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان" وجلسة خاصة بتجميع خلاصات الورشات، التي شكلت كل جلسة، ومقترحات التتبع. وفي نهاية هذا اللقاء الدولي عادت الخبيرة الأممية فريدة شهيد إلى التذكير أن هناك فرق بين النهوض بالثقافة والنهوض بالحقوق الثقافية، مذكرة أنه يجب التركيز على ما من شأنه ضمان الحقوق الثقافية وحرية الأشخاص وضمان ممارسة الحقوق الثقافية وحقوق الإنسان بصفة عامة وتوفير الشروط التي تتيح للأشخاص المنتهكة حقوقهم التعبير عن أنفسهم والاستماع إليهم.
ومن جانبه، اعتبر السيد باتريس ماير بيش، من جامعة فريبورغ بسويسرا، أن الحقوق الثقافية رافعة للتنمية و أكد أنه لا يجب الفصل بين حقوق ثقافية وحقوق لغوية، لأن الحقوق الثقافية تجمع في الأصل الحقوق اللغوية والإرث الثقافي وما إلى ذلك. وأشار السيد بيش كذلك إلى ضرورة العمل وفق خطط وطنية وتحديد ماهية الحقوق الثقافية وتحديد المتدخلين ومسؤوليات كل واحد منهم وتوسيع مجال المشاركة والبحث على متدخلين وفاعلين آخرين، مذكرا بصعوبة العمل بين المؤسسات الوطنية وآليات البحث والمنظمات غير الحكومية والفاعلين الآخرين، نظرا لاختلاف عمل الواحدة عن الأخرى، ومشددا، في ذات الآن، على أن التواصل الثقافي والبحث والتكوين هو السبيل الذي سيمكننا من النجاح في هذا المضمار.
وخلال كلمة الاختتام، ذكر السيد المحجوب الهيبة أن الهدف الرئيسي لتنظيم هذه الندوة الدولية تمثل في العمل على تعميق النقاش بالنسبة لتوصيف الحقوق الثقافية في إطار المقاربة الحقوقية الكونية غير قابلة للتجزيء التي اعتمدها المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، الذي عمل في مرحلة أولى على مواكبة الانفتاح السياسي بالمغرب تم في مرحلة ثانية على طي صفحة ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من خلال تجربة العدالة الانتقالية. ولم يفت السيد الهيبة التذكير أن المجلس يباشر الآن مرحلة جديدة تتمثل في العمل على تعزيز الجانب الحمائي للمجلس والرفع من مهنيته في تلقي الشكايات ومعالجتها ودراستها.
وقد عاد السيد الهيبة في الأخير إلى التذكير بضرورة مواصلة العمل على ملائمة التشريعات الوطنية مع المعاهدات الدولية التي صادق عليها المغرب وتوظيف الملاحظات العامة لأجهزة المعاهدات والملاحظات الختامية والتوصيات الصادرة عن هذه الهيئات وكذا التنسيق والتعاون مع المؤسسات الوطنية الأخرى في العالم من خلال لجنة التنسيق الدولية أو فضاءات الحوار والتنسيق بين المؤسسات الوطنية والأجهزة التعاهدية.
يذكر أنه سبق للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، بشراكة مع المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، أن نظم بالرباط ندوة وطنية حول "الحقوق اللغوية والثقافية بالمغرب"، يومي 8 و9 يونيو 2010. وتجلى الهدف من وراء هذه الندوة الوطنية، التي شهدت مشاركة ممثلي المؤسسات المعنية بحقوق الإنسان ومجموعة من الفاعلين والحقوقيين، في تعميق النقاش والحوار حول مفهوم الحقوق اللغوية والثقافية واستراتجيات النهوض بها وآليات حمايتها وبلورة تصور مشترك في أفق إعداد خطة عمل للنهوض بالحقوق اللغوية والثقافية.