برنامج التغطية الصحية لضحايا ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان
يندرج إنجاز برنامج التغطية الصحية لضحايا الانتهاكات، في إطار تفعيل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة لاسيما تلك المتعلقة بالمعالجة الشمولية للآثار والانعكاسات المترتبة عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المرتكبة في الماضي.
وقد ارتكزت مقاربة هيئة الإنصاف والمصالحة على عدة أسس في مجال جبر الضرر، من جملتها أن مفهوم جبر الضرر لايمكن حصره في التعويض عن الأضرار المادية والمعنوية، بل يتعداه ليشمل جبر باقي الأضرار الفردية، من خلال أشكال أخرى للجبر، كتسوية الأوضاع القانونية والإدارية والوظيفية والإدماج الاجتماعي، وجبر الأضرار الجماعية، فضلا عن التأهيل الصحي والنفسي للضحايا وذوي حقوقهم.
لقد اعتبرت الهيئة الرعاية الصحية لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من أولويات عملها، وعملت على إدراجها في إطار هذه المقاربة الشمولية لجبر الأضرار. هكذا، بادرت الهيئة إلى اتخاذ تدابير لتأمين بعض العلاجات الطبية للضحايا والتدخل لإسعاف الحالات المستعجلة، كما عمل المجلس وهيئة الإنصاف والمصالحة في بداية الأمر على التكفل بالضحايا الذين يعانون من أضرار صحية صعبة ومستعجلة.
وتجدر الإشارة إلى أن المجلس واصل المجلس التكفل بالحالات الصحية المستعجلة، حيث بلغ عدد الضحايا الذين تم تحمل جميع نفقات علاجهم وتطبيبهم 247 حالة بكلفة وصلت إلى 450 مليون درهم.
في إطار تفعيل اختصاصات هيئة الإنصاف والمصالحة المتعلقة بجبر أضرار الأشخاص ضحايا الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي، أنجزت هذه الأخيرة خلال فترة انتدابها، بمساعدة أطباء عامين وأخصائيين، وضعتهم وزارة الصحة رهن إشارتها، دراسة استهدفت تحديد نوعية وأهمية الأمراض التي يعاني أو يشتكي منها الضحايا، وتقديم اقتراحات من أجل التكفل الدائم والمتواصل بهم وبذوي حقوقهم بعد معرفة وتقييم الحاجيات الطبية الحقيقية -الجسمانية منها والنفسية- لهم وفق مقاربة ترمي إلى إيجاد أفضل الحلول لهذه الحاجيات.
وقد خلصت هذه الدراسة إلى ضرورة تجنب مقاربة تربط بين التكفل الصحي بالضحايا وجبر الضرر المعنوي والمادي، والعمل على الفصل التام بين التعويضات المادية الهادفة إلى جبر الضرر وبين الحق في الاستفادة من تغطية صحية.
وعلى الصعيد الطبي المحض، بينت الدراسة أن الأشخاص الذين لا يشتكون حاليا من أي انعكاسات صحية لسوء المعاملة التي كانوا ضحايا لها في الماضي، قد يصابون فيما بعد بأمراض يعود أصلها لتلك المعاملات. ومن جانب آخر، قد تترتب عن هذه المعاملة انعكاسات مختلفة، حسب طبيعة الشخص و قدرته على المقاومة الجسمانية والنفسية.
وبناء على نتائج وخلاصات هذه الدراسة العلمية، أوصت هيئة الإنصاف والمصالحة في تقريرها الختامي بإدماج ضحايا الانتهاكات الجسيمة في الماضي وذوي حقوقهم في نظام إجباري للتغطية الصحية.
وعلى إثر انتهاء مهمة هيئة الإنصاف والمصالحة وتقديمها لتقريرها الختامي، وتكليف المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان من قبل جلالة الملك بتفعيل توصياتها بتعاون مع السلطات العمومية، تم تشكيل خمس لجان مختلطة بين الحكومة والمجلس من بينها لجنة تفعيل التوصيات المتعلقة ببرنامج جبر الضرر الفردي، انبثقت عنها لجنة فرعية عهد إليها بتفعيل التوصية المتعلقة بإدماج الضحايا في نظام للتغطية الصحية الأساسية.
وقد قامت اللجنة التقنية المختلطة، بدراسة معمقة مكنت من إعداد الصيغة الملائمة لتمكين الضحايا من الاستفادة من التغطية الصحية والتي تتمثل في:" تمكين الضحايا من الاستفادة من أحسن إمكانيات التغطية المتاحة والتي توافق نظام التأمين الإجباري عن الأمراض بتدبير الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي (CNOPS AMO) ، وأن تتكفل الدولة بتسديد نفقات الانخراط في هذه التغطية عن الضحايا إلى المؤسسة التي كلفت بتدبير وتنفيذ هذه التغطية والتي تتمثل في الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي، بناء على اتفاقية وقعت بين الأطراف المعنية (وزارة المالية ووزارة الصحة والصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي والمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان،قامت على مبدأين أساسيين همـا :حفظ كرامة الضحايا ورد الاعتبار لهم؛ والتضـامن المجتمعي.
وطبقا للاتفاقية فإن إحدى التعاضديات (الهيئات التعاضدية OMFAM ) هي المكلفة بتدبير العلاجات العادية لهؤلاء المؤمنين المعنيين بالاتفاقية.
وبموجب الاتفاقية، يستفيد الضحايا من كل الخدمات المضمونة في البند 7 من قانون 65-00:
- العلاجات الوقائية والطبية المرتبطة بالبرامج ذات الأولوية المندرجة في إطار السياسة الصحية للدولة،
- أعمال الطب العام والتخصصات الطبية والجراحية،
- العلاجات المتعلقة بتتبع الحمل والولادة وتوابعها،
- التحاليل البيولوجية الطبية والطب الإشعاعي والفحوص الطبية المصورة والفحوص الوظيفية،
- الأدوية المقبول إرجاع مصاريفها
- أكياس الدم البشري ومشتقاته.
- الآلات الطبية وأدوات الانغراس الطبي الضرورية لمختلف الأعمال الطبية والجراحية،
- الأجهزة التعويضية والبدائل الطبية المقبول إرجاع مصاريفها،
- النظارات الطبية، علاجات الفم والأسنان،تقويم الأسنان بالنسبة للأطفال
- أعمال التقويم الوظيفي والترويض الطبي والأعمال شبه الطبية.
- العلاجات المتعلقة بالاستشفاء والعمليات الجراحية بما في ذلك أعمال الجراحة التعويضية،
وقد عمل المجلس الاستشاري بتنسيق تام مع إدارة الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي، على وضع الترتيبات الإدارية اللازمة لتسجيل وإعداد البطاقات الكفيلة بإدماج الأشخاص المعنيين. وقد أصبح نظام التغطية الصحية ساري المفعول منذ شهر شتنبر 2008.
كما حرص المجلس على إشراك جمعيات الضحايا في هذه الدينامية، خاصة المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف، الذي يعقد معه اجتماعات شهرية.
وقد تم في إطار تنفيذ برنامج التغطية الصحية التوصل ب 3990 ملفا، أحيل 3205 منها على الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي الذي أصدر 3023 بطاقة للتغطية الصحية (92 في المائة من إجمالي الملفات المعروضة عليه). أما عدد عدد البطائق الموزعة على المستفيدين فوصل إلى 2085؛ في حين بلغ عدد البطائق في طور التوزيع 938 (تم إخبار المعنيين بها عبر الهاتف في انتظار تسليمها )؛ أما الملفات الموجودة في طور الدراسة لدى الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي فتبلغ 182.
وقد واجه تنفيذ هذا البرنامج جملة من الإكراهات منها نقص الوثائق في بعض الملفات، صعوبة الاتصال مع بعض المستفيدين، إشكالية المهنة بالبطاقة الوطنية، استفادة بعض الضحايا من نظام آخر للتغطية الصحية، الأشخاص الموجودون بالخارج...
بقلم يوسف ستان