خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله عند تعيين وتنصيب الأعضاء الجدد في المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ووالي ديوان المظالم بالقصر الملكي بالرباط
يوم الثلاثاء 5 شوال 1423هـ ( 10 دجنبر 2002م)
الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه
حضرات السيدات والسادة،
إننا بتنصيبنا لكل من ديوان المظالم والمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، لانستهدف فقط تعزيز الأجهزة المكلفة بمساعدة جلالتنا على حماية حريات المواطنين وإنما نرمي إلى تزويد بلادنا بمؤسسات كفيلة بتقويم الاختلالات، وردع الانتهاكات التي قد تمس حقوقهم، مساهمة باقتراحاتها العملية في الإصلاح التشريعي والقضائي والإداري.
وإذا كان المجلس في هيأته الأولى، قد كرس جهوده لحل القضايا العالقة في حقوق الإنسان، فإنه، في تركيبته الجديدة، يتوجه نحو مغرب المستقبل، الذي نريد له أن يكون مغرب الترسيخ النهائي لحقوق الإنسان.
لذلكم راعينا في التغيير النوعي لهيأته، واختيارنا للمجموعة الأولى من أعضائه، التحلي بالتجرد والتشبث المخلص بحقوق الإنسان، والعطاء المتميز في سبيل تعزيزها.
ونودأن نشيد بكل الهيآت والأشخاص الذين تجاوبوا مع توجهنا بصدق وحماس، مؤكدين بأن المجلس سيظل مفتوحا أمام كل الفاعلين الذين يبرهنون على حسن استعدادهم للانخراط في دينامية الإصلاح، واستكمال بناء دولة القانون.
وقد اخترنا لرئاسة هذا المجلس السيد عمر عزيمان لما عهدناه في شخصه من توافر للخصال التي تقتضيها هذه المسؤولية كما عينا السيد إدريس بنزكري في منصب الأمين العام للمجلس، لتحليه بالمواصفات اللازمة للنهوض بهذه المهمة.
وإننا لننتظر من كل مكونات المجلس أن تنصهر في عمل جماعي مخلص، من شأنه تعزيز المكتسبات التي حققتها هذه المؤسسة، منذ إحداثها على يد والدنا المنعم، جلالة الملك الحسن الثاني، خلد الله في الصالحات ذكره.
وعندما نقول المكتسبات، فإن تقديرنا لأهمية ما حققه المغرب، خلال العقد الأخير، من تقدم كبير، مشهود به وطنيا ودوليا، لا ينبغي أن ينسينا أن الديمقراطية معركة دائمة ونضال يومي، وأن مسار حقوق الإنسان لانهاية له، ولا حد لكماله وهذا ما يقتضي أن نكرس جهودنا لما يجب تحقيقه، بقدر ما كرسناها لما تحقق بالفعل.
ذلكم أن مابلغناه اليوم، يشكل رصيدا حضاريا، يؤسس لتجربة مغربية متميزة في النهوض بحقوق الإنسان، سواء على مستوى الطريقة التي تمت بها تسوية قضية المعتقلين السياسيين والمنفيين، أو على صعيد ما اتخذ من تدابير وقائية لتحصين بلادنا من أي انتهاك لحقوق الإنسان، فضلا عن إدماج التربية على هذه الحقوق في منظومة التعليم والتكوين.
وهذا ما مكن المغرب من أن يصبح قدوة في مجال معالجة قضايا حقوق الإنسان، في جانبها الأكثر حساسية وصعوبة وتعقيدا، وتسوية ملفاتها الشائكة، بما يكفل الحق والإنصاف وجبر الضرر.
وإن مجلسكم لمدعو إلى الاجتهاد في ابتكار مقاربة حكيمة وواقعية لإحقاق الحقوق، تجعل منه فضاء رحبا للتفاعل الإيجابي، بين المجتمعين السياسي والمدني والسلطات العمومية، من أجل مساعدتنا، من خلال آرائه الاستشارية، النابعة من فضائل الحوار والنزاهة، على نصرة الحق والإنصاف، وفتح صفحة جديدة أمام اندماج كل الطاقات في بناء مغرب ديمقراطي.
وبالنظر لما لحقوق الإنسان من وزن متزايد في العلاقات الدولية، فإننا ندعو المجلس، بتعاون مع الهيآت الاستشارية المماثلة، التي يتولى المغرب رئاستها العالمية، إلى الاعتناء بحقوق رعايانا الأوفياء، المحتجزين بتندوف، ضدا على كل المواثيق الدولية، وكذا التنسيق مع الهيئات المماثلة من أجل صيانة كرامة المغاربة المقيمين بالخارج.
وتفعيلا لمفهومنا للسلطة، فقد قمنا بإحداث ديوان المظالم، ليجسد بدوره حرصنا على تنمية تواصلها مع المواطن، في التزام تام بضوابط سيادة القانون والإنصاف، منوهين في هذا السياق بالجهود التي بذلها وزيرنا الأول السابق، السيد عبدالرحمان اليوسفي، من أجل انبثاق هذه المؤسسة.
وقد عينا مولاي سليمان العلوي واليا للمظالم، اعتبارا لما يتوافر له من مؤهلات لأداء هذه الأمانة، داعين إياه ألا يدخر جهدا في إقامة هذه المؤسسة، في أقرب الآجال، محاطا بمساعدين مؤهلين للنظر، بكامل الإنصاف، فيما يرفع إليه من تظلمات، ومدعوما بتعاون كل السلطات، وفي مقدمتهم وزيرنا الأول، وكافة أعضاء حكومتنا.
وإننا لننتظر منكم أن تكونوا خير من يعمل على حماية حقوق الإنسان، وإشاعتها، ثقافة وممارسة، ضمن مسار طويل وشاق، مدعوم بعزمنا القوي على المضي به لبلوغ مقاصده النبيلة، في ترسيخ العدل والإنصاف، والوعي بالتزامات المواطنة، وفتح مجال أرحب أمام المشاركة الديمقراطية.
وعملا على تجسيد تطلعنا إلى الانخراط الواسع للشباب المغربي في إنجاز مشروعنا المجتمعي الديمقراطي الحداثي، فقد قررنا تخفيض سن التصويت إلى ثماني عشرة سنة، داعين الحكومة إلى إعداد كل التدابير اللازمة لذلك.
ولنا اليقين بأن شبابنا، الذي نشاطره انشغالاته، ونعمل على تحقيق تطلعاته، سينهض بهذه الأمانة، بما هو معهود فيه من مثالية وحماس، واثقين بأن الشباب المغربي سيكون بمثابة شحنة قوية للمواطنة المسؤولة، ودم جديد للممارسة الديمقراطية، التي ستجدون جلالتنا، على الدوام، في طليعة حماتها.
والـسـلام عليكم ورحمة اللـه تـعـالـى وبـركـاتـه.