الكلمة الإفتتاحية لرئيس المجلس السيد عمر عزيمان
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
يسعدني أن أرحب بكم في افتتاح هذه الدورة العادية متمنيا لأشغالنا كامل النجاح والتوفيق.
لقد دخل إصلاح المجلس حيز التنفيذ بتاريخ 10 دجنبر 2002 يوم عَيننا به صاحب الجلالة نصره الله. ولا شك أنكم تذكرون كيف رحبت البلاد بتنصيب المجلس في صيغته الجديدة والمتجددة، حيث أصبح أكثر استقلالا، وأكثر انفتاحا على المجتمع المدني وعلى حركة الدفاع عن حقوق الإنسان، وأكثر تفتحا أيضا على الكفاءات والمشاركة النسائية. كما أصبحت للمجلس صلاحيات واسعة وشاملة، وتركيبة متعددة ومتنوعة. وقد كان الارتياح لهذا الإصلاح كبيرا بقدر كبر التطلعات والآمال المعلقة علينا. ولم يكن أمامنا سوى رفع التحدي حتى نكون في مستوى الثقة التي وضعها فينا صاحب الجلالة، والأمل الذي أودع فينا.
ومنذ الأيام الأولى انكببنا على جعل بنية ومكونات المجلس مطابقة لمهامه وصلاحياته الجديدة، وعلى تكييف أجهزته مع نموذج المؤسسات الوطنية لتطوير وحماية حقوق الإنسان الأكثر تقدما، وعلى تمتيع المجلس بإطار مرجعي صريح، وبأدوات مفاهيمية ووسائل عمل في مستوى المهمة المنوطة به.
ولم تكن هذه المهمة سهلة، إذ كان علينا أن نعيد النظر في بعض المفاهيم المختزلة أو المتجاوزة، وأن نعيد التفكير في المقاربات والمقولات، وأن نعمل على توسيع آفاقنا، ووضع تنظيم وظيفي قادر على خدمة أهدافنا، واعتماد منهجية عمل دقيقة، وتوزيع المهام بطريقة معقلنة، ودمج كل ذلك ضمن النظام الداخلي الذي اعتمده المجلس في مارس الماضي وحظي بموافقة جلالة الملك نصره الله.
ومباشرة، بعد ذلك، انطلقنا في سباق ثان احتلت فيه مجموعات العمل واللجان الخاصة التي شكلها المجلس، بمقتضى نظامه الداخلي الجديد، مكان الصدارة، حيث عقدت عدة اجتماعات من أجل تحديد مجال عمل كل واحدة منها، ومناهجها وأولوياتها، وبرامجها وخططها القصيرة والمتوسطة المدى.
وأود بهذه المناسبة أن أوجه التحية لرؤساء ومقرري وأعضاء مجموعات العمل واللجان، وكذا إلى منسقي الوحدات الإدارية، إذ قدم الجميع أفضل ما لديهم من أجل إعداد عمل جيد، وبالتالي تمكين المجلس من برنامج متكامل طموح يرسم آفاقا دقيقة للعمل.
فخلال هذه الأشهر من العمل المكثف، تمكنا من توضيح موقعنا المؤسساتي، وتدقيق مناهجنا ومقارباتنا، وتمكين المجلس من برنامج عمل واضح وطموح وواعد، يسمح بالعمل في العمق والاستمرارية، ويندرج بفعالية في مسلسل تشييد دولة الحق وتعميق الديمقراطية وترسيخ حقوق الإنسان.
وخلال هذه الأشهر أيضا تعلمنا كيف نتعرف أحسن على بعضنا البعض، من خلال الإنصات والحوار والمناقشة، كما تعلمنا كيف نحترم اختلافاتنا، ونستثمر تعددنا، ونضع قضية حقوق الإنسان فوق انتماءاتنا وتباين مشاربنا.
وجاءت النتائج في مستوى الجهود المبذولة، ذلك أن الدورة الحالية للمجلس تسجل نهاية مرحلة التأسيس وبداية مرحلة أخرى يُفَعّلُ فيها مجلسنا أعماله بكيفية مرتبة ومنظمة ومسؤولة لخدمة حقوق الإنسان والديمقراطية.
وبذلك احتل مجلسنا المكانة التي تناسبه بين باقي المؤسسات كمجلس استشاري بجانب جلالة الملك حفظه الله، وكمؤسسة وطنية لتطوير وحماية حقوق الإنسان مستقلة عن الحكومة وعن البرلمان وعن السلطة القضائية، وكفضاء للتفكير وقوة اقتراحية في كل ما يتعلق بحقوق الإنسان.
حضرات السيدات والسادة،
يحق لنا أن نتساءل صادقين: هل أضعنا الوقت في قيامنا بذلك؟ جوابي حتما بالنفي للأسباب التالية:
أولا، لأن العمل الرامي إلى التوضيح والتنظيم والضبط والبرمجة يسمح لنا بأن نشتغل في الوضوح والانسجام، وأن نراكم النتائج، وأن نسير في اتجاه واضح، وأن نتموقع، بحكم صلاحياتنا وأهدافنا، بصورة تُمَيّزُنَا عن باقي الفاعلين في مجال حقوق الإنسان.
ثانيا، لأن هذا العمل يجنبنا من الوقوع في الخطإ أو الغموض أو الارتباك، مثلما قد يحمينا من الانزلاق والتسرع وما قد يترتب عنهما من انعكاسات على المصداقية.
ثالثا، لأن هذا العمل أيضا يجنبنا الانسياق وراء منطق مغلوط يقود، بدون جدوى، إلى منافسة وهمية مع باقي الفاعلين في مجال حقوق الإنسان، علما بأن طبيعة العمل تفرض علينا جميعا بناء علاقات تشاركية، ويحملنا على تعزيز التعاون الناء والمجدي.
فنحن إذن لم نضيع ولو دقيقة من وقتنا، بل اجتهدنا فأنجزنا عملا مُؤسِّسا ومجددا، سيسمح لنا بأداء مهمتنا بطريقة أكثر منهجية، وأكثر ذكاء، وأكثر وضوحا، وأكثر انسجاما، وأكثر استمرارا وفعالية.
حضرات السيدات والسادة،
إننا لم نتردد، خلال الشهور الستة المنقضية، في القيام ببعض الأعمال الموازية التي أملتها طبيعة مهمتنا والتزاماتنا الدولية أو فرضتها الأحداث.
وهكذا، وبالموازاة مع ورشنا الرئيسي، وتبعا للمأساة الفظيعة لأحداث 16 ماي 2003 التي زعزعت المغرب، عقدنا يوم 29 منه دورة طارئة لإدانة الإرهاب والعنف، باعتبارهما نقيضين لحقوق الإنسان، وكذا للتأكيد على أن محاربة الإرهاب، في دولة القانون التي نشيدها، لا يجب، بأي شكل من الأشكال، أن تمس بالمكتسبات أو أن تخدش حقوق الإنسان. والتزمنا في تلك الدورة بتقديم مساهمتنا في معالجة إشكالية الإرهاب وحقوق الإنسان. وتجدون من بين وثائق هذه الدورة نص المذكرة التي رفعناها إلى حضرة صاحب الجلالة في الموضوع، كما أن اللجنة المختصة ستقدم لكم تقريرها حوله.
كما قامت بعثة عن المجلس بالمشاركة الفعالة، خلال شهر أبريل المنصرم في الدورة السنوية «للجنة الدولية للتنسيق بين المؤسسات الوطنية لتطوير وحماية حقوق الإنسان»، التي جددت ثقتها فينا، وأعادت انتخابنا على رأس هذا التجمع الدولي الهام. كما تقدمت هذه البعثة بِتَدُخُلَيْنِ أمام لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، بصفتها كرئيس للجنة الدولية المذكورة وكممثلة للمجلس. كما التقت البعثة بالمفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان وتباحثت معه عدة إمكانيات للعمل
المشترك.
كما قمنا بزيارة اللجنة الوطنية الفرنسية لحقوق الإنسان، و»وسيط الجمهورية» الفرنسية، و»المدافع عن الشعب» الإسباني. كما استقبلنا عدة بعثات عربية وأروبية وأمريكية، تحدثنا معها عن إصلاح المجلس، وعن آفاق المستقبل، وعن إمكانيات التعاون.
كما عقدنا عدة جلسات عمل مشجعة، مع كل من الوزير الأول ووزير العدل والأمين العام للحكومة والوزير المكلف بحقوق الإنسان والوزير المنتدب في الداخلية، من أجل مناقشة المكانة الجديدة التي أصبح يحتلها المجلس في المشهد المؤسساتي، وكذا بحث سبل التعاون، بين المجلس والحكومة، القائم على الثقة المتبادلة، والاحترام الدقيق لاستقلالية المجلس ولاختصاصات كل جهة. كما بحثنا ميكانزمات تبادل المعلومات والمعطيات من أجل تسهيل أدائنا لمهمتنا.
كما عقدنا لقاءات مع كثير من الجمعيات غير الممثلة في المجلس، وهي جمعيات منخرطة بقوة في حركة الدفاع عن حقوق الإنسان، من أجل المناقشة والاتفاق حول إمكانية وفائدة إقامة جسور وَمَعَابِر التشاور والتعاون.
حضرات السيدات والسادة،
هل قمنا بأكثر مما كان مطلوبا منا؟ جوابي بالنفي طبعا، لأننا لم نعمل إلا على بلوغ الغايات التي حددها صاحب الجلالة حتى نكون في مستوى المهمة التي أنيطت بنا.
فقد قمنا، في الواقع، بما كان يجب القيام به للانتقال بحقوق الإنسان إلى مستوى المرجع الأخلاقي والاحترافية، وارتفعنا بعملنا إلى مستوى المرحلة التاريخية، لأنه من واجبنا أن نتجاوب مع المتمنيات الغالية لملكنا والتطلعات العميقة لأمتنا، وأن نبذل قُصَارَى جهودنا لدعم جميع المكتسبات المتحققة قصد التغلب على جميع الصعاب المحتملة.
«إِنْ يَعْلَمِ اللهُ في قُلُوبِكُمْ خَيْرَا يُوتِيكُمْ خَيْرَا»؛ صدق الله العظيم.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
رئيس المجلس
عمر عزيمان